بطولها الذي يعادل ثلاث تفاحات وأصابعها الأربعة، مخلوقاتنا الزرقاء الصغيرة استطاعت من قريتها السّرية أن تغزو العالم، وتنطبع في مخيلتنا لأجيال.
من الصعب أن نتخيل إمكانية إثارة جدل حول تلك المخلوقات البريئة، إلا أن وجهات النظر التأويلية أطاحت ببراءة تلك المخلوقات لتجد نفسها موضع نقاش جدلي صاخب.
كان ظهور السنافر للمرة الأولى في 1958 كشخصيات داعمة في قصة “الفلوت ذو الثقوب الستة”، ليحصلوا على قصتهم الخاصة في العام التالي، خلال تلك الفترة حظي السنافر بشعبية كبيرة في السوق، أُنتجت الكثير من البضائع الدمى وألعاب الفيديو، ولاحقاً القصص المصورة، حتى تجد المخلوقات الزرقاء طريقها نحو التلفاز عبر سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة في 1981 الذي حظي بشعبية هائلة.
بابا سنفور، سنفور مفكر، سنفورة، وغيرهم الكثير، لم يسبق أن ظهروا غير ذلك، قرية السنافر بفطرها المخبئ وتنظيمها الذي يستهلك كل طاقة و مجهود السّنافر الصّغار، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، فكما يرى البعض أن عالم السّنافر مبطن برسائل ومتعمدة.
في الثمانينات بدأ الحديث عن نظرية تأويلية تحاكم عالم السنافر الذي عرفناه، حيث أثيرت مزاعم من قبيل أن هذا العالم ما هو إلا انعكاس واضح لأفكار سياسية و أيديولوجيا موجهة.
بداية مع مقال ساخر لمارك شميث ينتقد بنية المجتمع السنفوري، ويشبه السنافر بالاشتراكيين، ويرى بابا سنفور مثل كارل ماركس نظراً للحية الكثيفة، لتستمر الشائعات بظهور مقطع يوتيوب ساخر يوضح أوجه التشابه بين السنافر والشيوعية (تم حظر الفيديو في عدد من الدول ولا يزال، وهذا يثير العديد من التساؤلات) .
لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فقد أصدر عالم الاجتماع أنطون بونيو كتاباً بعنوان “الكتاب الأزرق الصغير” الصادر عام 2011 يزعم من خلاله أن مجتمع السنافر السّري يمثل يوتوبيا استبدادية واضحة، زاعماً أن تلك الصورة استخدمت للسيطرة على الأطفال أثناء الحرب الباردة.
في هذه الحالة لم يعد بابا سنفور هو الذي عرفناه، فكما يراه البعض هو مجرد صور عن ماركس الأب المؤسس للشيوعية، بشاربه ولحيته الكثيفة، وأن السنافر كائنات شيوعية، تعيش في مجتمع تكافلي مفرط، حيث يقوم المجهود الفردي لخدمة الجماعة، في عالم لا وجود للمال فيه، عالم تتشابه فيه ملابس الجميع، ومستوى رفاهيتهم و جهدهم.
ولأبعد من ذلك يرى أصحاب هذه النظرية أن شرشبيل يمثل الرأسمالية بأبهى صورها، حيث كل ما يسعى له هو الذهب، وهنا تظهر أمامنا صورة فجة لمفاهيم معقدة وقاسية بدلاً من صورة القرية الآمنة التي يحتفي بها السنافر.
بينما نشاهد على الجانب الآخر الرسام البلجيكي مبتكر السنفرة بيير كوليفورد وشركاءه ينفون تلك الادعاءات، ليصرح تييري نجل بيير الذي تولى رسم السنافر بعد وفاة والده بأن عائلته لم يسبق أن اهتمت بالسياسة، واصفًا مزاعم بونيو وكتابه بأنها “وجهة نظر غريبة”.
وبين مزاعم وإشاعات، صدّ ردّ غير معقول شكلّ غمامة سوداء فوق عالم السنفرة الذي فتننا، لا أدري إن كان بوسع أحدنا أن يسترجع تلك البراءة السابقة كما تعبر سونتاغ، حيث ترى أن فرط إهراق التأويلات الفنية يسمم رهافة أحاسيسنا.
لا أعلم إن كانت تلك المزاعم حقيقية ولها مسوغ، أو أنها مجرد تأويلات مستاءة تسعى لاستبدال العمل الفني بشيء آخر.
ما أعرفه أننا شاهدنا ذلك الكرتون بفرح، بدهشة، دون انحياز لأي شيء آخر، صدقنا القوة الحقة في الخير، وانزعجنا من هرهور، وأمسكنا قلوبنا كلما اقترب شرشبيل من معرفة مكان القرية السّري، دون ماركس، دون الشيوعية، هكذا فقط مع عالم السّنافر، تعلمنا كيف نسنفر..!