المساحات المزدحمة ليست محرّضة على المغامرة، تتوافد الجموع باحثة عن بقعة لأقدامها، مثل البرامج التي يزدحم الفضاء بها، والنجومية التي ينشدها كثيرٌ من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، لعلّهم يصيبون شهرة أو ثروة، أو كليهما، وهذا حق مشروع بلا شك، ودافعٌ طبيعي لكلّ باحث عن نجاح، وإن اختلف شكله ومفهومه.
وبالرغم من أن هذا قد يؤتي ثماره، إلا أن البعض ينسى ـ في غمرة الحماس ـ الفعلَ الحقيقي: الإقدام على بناء منتج أو تقديم خدمة. هذا هو الأساس الذي تسهو عن تذكّره الأغلبية، وتتغافل عن ضرورته، ابتكارُ منجز مستدام، قابل للاستمرارية والتوسع، وتوليد أشكال جديدة من الأفكار، ومن ثم إعادة تشكيلها بما يتوافق مع الجمهور، أو ربما يختلف معه ويجذبه.
لن أزعم أنّ هذا الشرط كان وحده المحرّض على التفكير في جريدة، لكنه كان حاضراً عند ولادة الفكرة، ولا يزال ماثلاً أمامنا في التنفيذ، بينما نسعى إلى بناء نموذج عمل بإمكانه النمو، واستقطاب جمهور إضافي بمرور الوقت، وهذه نقطة أخرى: الإيمان بأهمية النتائج التراكمية والفرص التي تتولّد عن المثابرة والالتزام بتطوير المنصة باستمرار، لا الاعتماد على ضربات الحظ، أو الصدف العشوائية.
تصنع جريدة محتوى مقروءاً للعموم، بعيداً عن التخصص الفكريّ أو المنهجية الأكاديمية، عبر محتوى بسيط يدمج بين الصحافة والتدوين، ويزاوج بين المعلومة وما وراءها، والتحليل والبحث.. والرأيُ – إن لزم حضوره – حاضرٌ في سياقه، من خلال أفكار تبتعد عن الصورة الكبرى، وتركّز على التفاصيل، تنبش الأسئلة الملقاة على الطريق، وتتطرق إلى المواضيع المهمَلَة في المساحات المهجورة.
ما الذي نبحث عنه؟ ومن أين سنلتقط مكوّنات المحتوى الذي ننشده؟ من الحياة اليومية، المظاهر والظواهر، السلوك المعتاد والممارسات المفاجئة والاستثنائية ومظاهر العيش، المعارف المكتسبة، وملامح الناس، بما في ذلك آدابهم، فنونهم، موائدهم، ملبسهم، ما يرونه في شاشاتهم وما يجري على ألسنتهم، كل هذه العناصر وما يتصل بها، ستكون أداة لنا في بناء جريدة.
هل سنتبع معايير الصحافة؟ إذا ما تعلّق الجواب بالصدقيّة وتوخّي الدقة وصحة المعلومة، والوفاء بتقديم محتوى واضح، نعم، لكنّ الخبر بحدّ ذاته، والسعي إلى مواكبته ليس أمراً مهماً دون الإتيان بسبق لا مثيل له. أما فيما يخصّ القوالب والأشكال التقليديّة، فلعلنا نتعمّد الخروج عليها، وكسر النمطيّ منها، والكتابة خارج الأطر المتعارف عليها من النماذج الكلاسيكية، وربما ـ وهذا سيحدث قطعاً ـ نعيد ترتيبها والاستفادة منها، بحيث ننسج ما يشبهنا فقط.
الأقلام التي تحمل في روحها ما يشبه توقعاتنا وسعينا، مُرحَّب بحضور منتجها الإبداعي في جريدة، وهذه ليست دعوة بقدر ما هي قناعة بأن المنصة ستجذب من يشاركها هذه الرؤية ويعمل بانسجام وفق ما تتطلع إلى تحقيقه، لنصنع محتوي ثقافياً عربياً متميزاً، نرفع فيه صوت الكلمة.