لا عنوان لي

لا أعرف السبب الذي يدعونا إلى تحديد المواعيد بدقة إذا كنا لا نذكرها بعد عشرين عام من انقضائها! تعال في الخامسة تماماً، لن أنتظر لأكثر من ذلك، ولا تأتِ قبلها بعشر دقائق لأنني لن أكون متاحاً، ثم.. يأتيك اللقاء الذي تحتاجه فعلاً دون موعد، أليست تلك من أجمل العبارات التي قالها العرب؟
قلها أنت بدلاً مني!
بصراحة، تكلم العرب كثيراً عن المواعيد الضائعة والمحددة وتلك التي تصبح موعداً دون طلب، لكنني الآن بت أفهم كل شيء! لا بد أن الوقت أسمى من أن يبقى، وبالرغم من أن الأماكن لا تتبخر كالوقت لكنها لا تبقى على حالها لوقت طويل!

في ربيع 2007 كنت أنتظر باص النقل الداخلي، أقف في ظلّ الغيم إلى جانب العامود الحديدي الذي يخبر الباص، توقف! هناك في أحد أجمل لقاءاتي لست بحاجة إلى موعد..
أنظر إلى الخلف في نظرة أتصنع بها عدم الاكتراث، فأجده يسند ظهره إلى باب المحل الصغير، باب واحد بمقدار متر عرض، ومترَي طول، إطار خشبي يمسك بالزجاج، على مايبدو لزمن طويل.. ثم يبتسم، فأبتسم، أن صباح الخير ها قد أتيت.
يكاد يكون موعداً، أن أبتسم كل يوم في نفس المكان، لا أذكر الساعة لكنني أعرفها بين الصبح والظهر، إذا هطل المطر ضاع فيها الضوء في رماد الغيوم وإذا أشمست أصبحت الشمس فوق رأسك تماماً، وفي الحالتين تعجل.. الطقس هنا لا يؤمن بالمواعيد أيضاً!

في شتاء 1998 أستيقظ على صوت جدّي يدكّ الخشب في المدفأة ويكاد يهمهم، أو يدندن حسب المزاج!
أرفع رأسي وأشم الحائط كأنني في حضنه أنام، رائحة الكلس في بيوت القرى الرطبة، بذخ الحجارة العذراء في الحيطان لم يمسسها سوى تراب الأرض، وأيدي عمال جدي يبنون الغرف لعشرات الأطفال الذين ينامون هنا على مدار عشرات السنين.
إذا طالت قاماتنا عددنا الحجارة التي تجاري طولها، وإذا مللنا العد فقد أصبحنا كباراً بما فيه الكفاية، عادةً، الأرقام لا تهم!
نحن نحفظ الحجارة التي كبرنا عليها أو معها أو بها.. قلها أنت بدلاً عني!

هناك حيث جدّي.. كان الوقت تحدده صلاة جدي، قم للعصر قم للظهر، من ذا الذي يحمل ساعة حين يكون في حضرة جدّه؟
إنه يعرف أكثر مني!
أما الآن وقد نسيت كل المواعيد ،لا زلت أستطيع أن أخبرك برائحة أصحابها وأصواتهم وعدد دقات قلبي، ولكم شمس بقينا ولكم مطرة وقد أقيس بأصابعي غمق جروحها في قلبي.. لكنني بالفعل لا أذكر الوقت، بعض الثواني لا تزال حتى اللحظة، وبعض الساعات مرت قبل أن تبدأ.

أرجوك أخبرني بموعد قدومك تحديداً فأنا الآن لا أملك عنواناً.. ولا بد لأركان اللقاء من موعد وعنوان.
لا حجارة مضرّجة بالكلس أرتكي إليها ولا أبواب خشبية تُفتح في وجهي ولا أعرف أنواع هذه الأشجار المزهرة طوال العام.

كيف أحدد لك أين أنا؟
أخبرني بالوقت، سيكون الأمر أسهل.

spot_imgspot_img