حمزة غوث .. خدعه أتاتورك .. واختاره عبدالعزيز سفيراً

لما انتهيت من قراءة كتاب الأستاذ محمد السيف “حمزة غوث، سياسي دولتين وإمارة” الصادر عن دار جداول، تبادرت إلى ذهني فكرة عباس العقاد، وهي أن لكل شخصية مفتاحاً، وأخمن أن مفتاح شخصية حمزة غوث هو الإتقان في العمل، أو بالتعبير المعاصر: موظف محترف، ففي كل مرحلة من مراحل حياته، خدم بتفانٍ الكيان الذي يعمل معه.

من هناك بدأ

ولد حمزة في حي الساحة، غربي الحرم المدني، 1299 ه/1882 م، وعاش في كنف والده إبراهيم غوث، الذي كان يعمل في دلالة الحجاج والمعتمرين من زائري المدينة المنورة، ويضاهي هذا العمل في المدينة عمل الطوافين في مكة، وكانوا يسمون المزورين، من التزوير وهي زيارة المدينة المنورة.
ولهذه المهنة وجاهة اجتماعية وتترتب عليها مكاسب مادية، لذلك لم تخل من نزاعات حول البلدات التي يسمح لكل دليل باستقبال زائريها، وعادة ما تتدخل مشيخة الحرم المدني في حسم الخلاف. 
ويمتلك كل دليل تقريراً يخوله خدمة الزائرين والمعتمرين من بلدات محددة، بختم صادر عن مشيخة الحرم المدني، وعندما يتنازل دليل لآخر عن بلدة ما، عادة ما يكون هذا التنازل بمقابل مادي، ويوثق ذلك لدى مشيخة الحرم النبوي،
ومن أقدم التقارير التي قدمتها أسرة ال غوث، ما يعود تاريخه إلى 1208 ه/1793 م.

بزرت صفات حمزة القيادية منذ وفاة والده، الذي كان له مجلس يجتمع فيه بعض الأعيان كل مساء، فلما توفي، طلب منهم حمزة أن تظل الجلسة كما هي، فوافق أصدقاء والده، ولما طُلب منه أن يسامح بعضهم لما عليهم من ديون لوالده، أخبرهم أنه أحرق جميع أوراق ديون والده، وكان آنذاك في السابعة عشرة من عمره.

عضوية حزب الاتحاد والترقي

تشكلت لديه قناعة في ذلك الوقت، شاركه فيها عدد من المثقفين العرب، أن الدولة العثمانية قابلة للإصلاح، وأنه يمكن الاستفادة من الضعف الحاصل لديها، في المطالبة بالإصلاحات الداخلية، فالدولة مهما بدت سيئة، فهي في نظرهم أفضل من استعمار الدولة الأوروبية، لذلك انضم حمزة إلى حزب الاتحاد والترقي في فرع المدينة المنورة.
 رفع الحزب في البداية شعار محاربة الاستبداد، بعدما أطاح بالسلطان عبدالحميد الثاني، وقد حاول اجتذاب العناصر غير التركية له، وكان منهم حمزة، الذي حضر اجتماعات عدة للحزب في سالونيك، وسافر مرات أخرى إلى أسطنبول، وفي آخر اجتماع له معهم، رفع مطالب عدة، مثل استثناء المدينة المنورة من قانون  التتريك، ونفي التهمة عن مساندة أهالي المدينة تخريب القبائل المجاورة لخط السكة الحديد.

موقفه من ثورة الشريف حسين

كانت ثورة الشريف حسين، منعطفاً كبيراً في حياة حمزة، فقد رفض الانضمام إليها بسبب شكوكه في نوايا الإنجليز ولما أنشأ الشريف صحيفة القبلة، وجعل شعارها ”وما جعلنا القبلة التي كنت عليها“ سنة 1916، ظهرت صحيفة الحجاز في المدينة، لتكون مقابلاً لصحيفة القبلة وأسندت إدارتها لحمزة غوث.
استشعر حمزة الخوف بعد أن حاصرت قوات الشريف المدينة المنورة، وخصوصا أن الشريف قد أهدر دمه! فطلب حمزة من فخري باشا، أن يذهب هو وعائلته إلى دمشق، خوفاً من سقوط المدينة، لكن عرض عليه فخري باشا أن يمنحه رتبة ضابط عثماني، حتى إذا استسلمت المدينة، يكون أسير حرب! فينجو من تهديد الشريف حسين، لكن حمزة غادر المدينة، إلى دمشق، ولما دخلتها قوات الشريف فيصل، غادرها إلى تركيا.

مع أتاتورك

انضم في تركيا إلى جبهة الجهاد الإسلامي تحت قيادة أحمد السنوسي، الذي قاد معارك في الجنوب الشرقي من تركيا ضد القوات الأوروبية فيها بعد الحرب العالمية الأولى، وطلبه أتاتورك بحجة أنه سيعطيه لقب الباشوية، لكن لما وصل لأنقرة، اتضح أنه استدعي للتحقيق لا للتكريم!
غضب منه أتاتورك، بسبب علاقته الطيبة بالسلطان المخلوع وحيد الدين محمد السادس، واتهمه بأن له دوراً في إعادته للحكم، لذلك شكلت محكمة عسكرية له، وانتهت المحاكمة بالحكم عليه بالإعدام، لكنه طلب أن يعدم بالرصاص بدلا من الشنق.
وفي الطريق إلي مكان الإعدام، تلقاه حنان آغا، وهو نائب كردي في البرلمان التركي، تعرف على حمزة عندما زار المدينة المنورة قبل 30 سنة، و عانقه وأخبره أنه خرج من مكتب أتاتورك، بعدما حصل على العفو منه.

بعد خروجه من تركيا، عمل مستشاراً لدى الأمير عبدالله بن متعب آل رشيد، لمدة سنتين، سافر فيها إلى الهند، والعراق، سوريا ومصر من أجل الحصول على دعم للإمارة، من الطرائف التي تروى أنه عند زيارته الملك فؤاد الأول ملك مصر، تحدث معه بالتركية!

وصولاً إلى عبدالعزيز

بعد سقوط، إمارة آل رشيد، احتار ماذا يفعل؟ فلا يمكن الذهاب إلى تركيا خوفاً من أتاتورك، ولا إلى العراق والأردن، لأنهما تحت حكم أبناء الشريف حسين الذي يكرهه، سوريا ومصر في يد قوى استعمارية لا يثق بها، فتوجه إلى الملك عبد العزيز، مع أنه عمل مستشاراً سياسياً لخصومه، لكنه يعرف ما عرف عن الملك عبدالعزيز من سعة الصدر والعفو عن الخصوم، وفعلا استقبله بترحاب، ليس هذا فحسب، بل جعله مستشاراً سياسياً له.

آخر عمل له كان سفيراً للمملكة لدى إيران، حيث اختاره الملك عبد العزيز لهذا المنصب لتحسين علاقة السعودية بنظام الشاه. وقد عمّر رحمه الله، إذ توفي سنة 1970، بعدما بلغ التسعين.

spot_imgspot_img