”الأول“.. مسكُ الختام لقراءات 2024، وهو الكتاب الذي يُقدّم السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.
أحمل مثل آلاف العرب إعجاباً كبيراً برؤية سموّه، ومنجزه الكبير الذي عاد أثره على دبي والإمارات العربية المتحدة، وامتدّ ليحتوي ملايين العرب في الإمارات وخارجها. ربما لو لمحتُ عنوان الكتاب في أي مكان، لخطرت لي صورة محمد بن راشد دون تردد، إذ أصبح الرقم واحد، والمركز الأول، والمراتب الأولى، كلها رديفاً لرؤية الشيخ، ومنجزه، وطموحه.
إذاً، هو عنوان موفق اختاره الكاتب البريطاني غريم ويلسون، الذي ذكر في أحد اللقاءات أنه شرع في تأليف الكتاب قبل نحو ربع قرن، وفيما تبدو رحلة زمنية طويلة لكتابة كتاب، لكنّ حياة صاحب السيرة بما فيها من ثراء وتنوّع وكفاح دؤوب وتحوّلات ضخمة ربما تستغرق وقتاً أطول لو استمرّ العمل فيها.

يُعد كتاب “الأول” وثيقة على تفرّد شخصية الشيخ ودوره الاستثنائي في صياغة حاضر الإمارات واستشراف مستقبلها. وبأسلوب سلس، يقدم المؤلف صورة متكاملة عن قائد ليس فقط بحجم إنجازاته، بل بروحه الملهمة وقيمه الإنسانية الراسخة في الأصالة، والمنفتحة على العالم باختلاف ثقافاته وتنوّع مشاربه.
هذا الكتاب ليس مجرد توثيق لحياة شخصية استثنائية، بل هو مصدر إلهام لكل من يسعى إلى تحقيق أحلامه ومواجهة التحديات بروح الإصرار والتفاؤل. وتدفع قراءة هذا العمل القارئ إلى الوقوف بإعجاب أمام شمائل الشيخ، الشخصية التي لم تكتفِ بصنع التاريخ، بل ألهمت العالم أجمع، وحرّضته على الاقتداء به.
يستعرض ويلسون محطات عدّة من حياة سموّه، بدءاً من العائلة، مروراً بدوره البارز في تتويج دبي لتصبح واحدة من أكثر بقاع العالم تطوراً وإلهاماً. ولا يكتفي الكتاب بسرد المعلومات والحقائق التاريخية فقط، بل يغوص عميقاً في جوانب إنسانية وشخصية للقائد الأنموذج والمبدع المتجدّد والمجدّد.
من أبرز ما يلفت الأنظار في عقيدة الشيخ محمد بن راشد العملية هو إيمانه الراسخ بأن المستحيل ليس سوى كلمة، وإن وجدت هذه الكلمة فإنها ليست في قاموسه، يتناول الكتاب قصصاً ملهمة عن التحديات التي واجهها في مسيرته، وكيف استطاع تحويل الأفكار التي تبدو بعيدة المنال إلى إنجازات ملموسة.
وفي هذه الرحلة محطات كثيرة، بدأت في مجلس أبيه الراحل، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيّب الله ثراه، باني دبي ومؤسّس نهضتها، وصاحب الرؤية الأولى في جعلها محطة عالمية، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، بعد أن أصابت حدود السماء، ودخلت مسار المرّيخ، ولا يزال الطموح أبعد.
يسلّط الكاتب الضوء على رؤية الشيخ التي تتجاوز الطموحات المعتادة، الرجل الذي جمع بين السياسة والاقتصاد، وبين بناء الإنسان والتنمية على الأرض، بين صناعة الحلم وتحقيقه على أرض الواقع، وهو المؤمن بأهمية بناء الإنسان وتحفيز الشباب ليكونوا قادة للمستقبل. هذه الرؤية تتجلى في مشاريع كبرى تهدف إلى تمكين الأجيال القادمة بالعلم والمعرفة، وتبرز من خلال استعانته بفريق يافع حقّق الكثير من الأهداف، ولا يزال.

كما يعرّج على جوانب أخرى في شخصية سموه، يسرد قصصاً عن تواضعه رغم تعاظم إنجازاته، وهو شخص قريب من الناس، يتلمس احتياجاتهم ويستجيب لها. تأتي مبادراته الخيّرة على رأس قائمة إنجازاته الإنسانية، حيث أسس العديد من المشاريع التي تهدف إلى محاربة الفقر ونشر التعليم والرعاية الصحية في المناطق المحتاجة حول العالم، وهذه المبادرات تؤكد أن القيادة في منظور الشيخ ليست رفاهية، بل مسؤولية وأمانة تقتضي الحفاظ على الأرواح ومدّ يد العون.
يبرز الكتاب أيضاً رؤية الشيخ محمد لدبي والإمارات باعتبارها وجهة عالمية للابتكار والتقدم. هذه الرؤية التي جعلت دبي مركزاً عالمياً للأعمال والمال والسياحة والرياضة. بفضل سياساته الحكيمة، تمكّنت دبي من استضافة أحداث عالمية مثل “أكسبو 2020″، الذي جذب أنظار العالم وسلط الضوء على قدرة دبي على تحقيق المستحيل، بالرغم من الظروف الصعبة التي صاحبته إذ تزامن مع جائحة كوفيد- 19، التي ضربت العالم وشلّت حركته.
من القصص اللافتة التي يوردها الكتاب، والتي يعرفها أهل الإمارات جيداً، لقاءات الشيخ مع الناس خلال زياراته الميدانية، حيث يحرص على الاستماع إلى قصصهم واحتياجاتهم ويتواصل معهم، كما يظهر من خلال هذه اللقاءات جانبٌ إنساني يتسم بالتواضع والقرب من الناس، ويبرز روح القائد الأمين عليهم.
لو أردتُ الحديث باسترسال لربما أفسدتُ على القراء متعة قراءة هذا الكتاب الثريّ بالتفاصيل والحكايا، لكنني سأترك ما فيه من جوانب مضيئة ليكتشفها القارئ على طريقته، وسأختم هذه المقالة بلمحة استثنائية، وومضة تبرز جوهر تعامل محمد بن راشد مع الأزمات، وقدرته على تجاوزها مهما كان شكلها، إذ يقول لأحد أفراد فريقه ”لا تتوقف.. كل أزمة ستنقضي في نهاية المطاف، وأياً تكن هذه الأزمة فإنها ستنتهي، وسيمضي العالم قدماً“..
بلى، يمضي برؤيته ”الأول“.. ويتبعه العالم.