في عمق غابة مجهولة، تختبئ قرية السنافر، ذلك المجتمع الأزرق الصغير الذي يُثير الكثير من التساؤلات. هل فكرت يوماً أن هذه الكائنات الزرقاء الصغيرة قد تكون انعكاساً مشوهاً لواقع مجتمعنا البشري؟
لنبدأ بالنظام الاقتصادي الفريد لهذه القرية. إنه نموذج شيوعي مثالي قد يجعل كارل ماركس نفسه يشعر بالغيرة! لا نقود، لا ملكية خاصة، فقط عمل جماعي من أجل الصالح العام. لكن هل هذا حقاً يوتوبيا اشتراكية، أم أنه نظام شمولي مقنّع بابتسامة زرقاء؟
تأمل مثلاً في شخصية بابا سنفور، الزعيم ذو اللحية البيضاء والقبعة الحمراء. هل هو حقاً الأب الحنون الذي يظهر به، أم أنه دكتاتور لطيف يحكم قبضته على القرية بخيوط غير مرئية؟ لاحظ كيف أنه الوحيد الذي يرتدي قبعة حمراء في بحر من القبعات البيضاء. رمزية طبقية صارخة، أليس كذلك؟
ولنتحدث عن السنفورة، تلك الأنثى الوحيدة في هذا المجتمع الذكوري. هل هي راضية حقاً بدورها كأيقونة جمال دائمة للقرية، أم أنها تخفي تحت ابتسامتها اللطيفة أفكاراً ثورية قد تقلب عالم السنافر رأساً على عقب؟ ربما في يوم من الأيام سنشهد “انتفاضة نسوية زرقاء” تهز من أركان هذا المجتمع الأبوي. وماذا عن شرشبيل، ذلك الساحر الشرير الذي يبدو وكأنه خرج للتو من كابوس طفل مريض؟ لماذا هذا الهوس بتحويل السنافر إلى ذهب؟ ففي عالم لا يستخدم النقود، ما قيمة الذهب أصلاً؟ هل هو مجرد استعارة لرأسمالية متوحشة تحاول اختراق حدود اليوتوبيا الزرقاء؟
ويتجلى شرشبيل، ذلك الكائن الأزرق ذو الأنف المعقوف والضحكة الشريرة، كرمز مُركّب للشرّ في عالم السنافر. لكن هل حقاً هو مجرّد تجسيد ساذج للشر المطلق، أم أن دوافعه أعمق وأكثر تعقيداً مما تبدو عليه؟ هل يُعقل أن هوسه المُستميت بتحويل السنافر إلى ذهب ما هو إلى صرخة وجودية مُقنّعة، تُعبّر عن شعوره بالوحدة والعزلة في عالم لا يجد فيه مكاناً؟ ربما يرى في السنافر، بنقاء قلوبهم وبساطة عيشهم، ما يفتقده هو في حياته المليئة بالكراهية والمرارة. وربما يكون سعيه الدؤوب للقبض عليهم ما هو إلا محاولة يائسة للتواصل معهم، للاندماج في عالمهم، ولو كان ذلك من خلال تحويلهم إلى مادة جامدة، بائسة، تشبهه في بروده وجموده. فهل شرشبيل شريرٌ بالفطرة، أم أنه ضحية لظروف قاسية أوصلته إلى ما هو عليه في حالة يرثى لها؟
ربما يكمن الحل في فهم دوافعه الخفية، في الغوص في أعماق نفسه المُظلمة، لنكتشف أن الشرّ ليس دائماً ما يبدو عليه، وأنه قد يخفي وراءه آلاماً وجراحاً تحتاج إلى التعاطف والتفهم، لا إلى المُطاردة والقمع. ففي نهاية المطاف، ربما يكون شرشبيل مجرد مرآة تعكس جانباً مظلماً من أنفسنا، جانباً نحاول دائماً إنكاره وقمعه في أحيان كثيرة.
تخيل أن تستيقظ كل صباح في منزل على شكل فطر عملاق، تتناول فطورك المكون من حساء السنافر (وهو طبق غامض لم يجرؤ أحد على سؤال مكوناته)، ثم تخرج لممارسة مهنة تحدد هويتك ودورك بشكل كامل في هذا السياق المجتمعي. هل أنت السنفور الكسول؟ إذن ستقضي يومك في عدم فعل أي شيء، وهو أمر يثير التساؤل: كيف يساهم هذا في اقتصاد القرية المتواضع؟ أم أن وجود السنفور الكسول هو نوع من النقد الاجتماعي الخفي لمفهوم الإنتاجية في مجتمعنا؟
في النهاية، ربما تكون قصة السنافر أكثر تعقيداً مما نتخيل. فوراء هذه الواجهة البريئة والملونة، قد نجد انعكاساً لصراعاتنا وتناقضاتنا البشرية القائمة على المصالح الذاتية فيما أشار إليه المُفكر الإنجليزي “توماس هوبز” بحرب الجميع ضد الجميع. وربما، فقط ربما، نحن من يحتاج إلى دروس في الحياة من هؤلاء الكائنات الزرقاء الصغيرة ونستلهم من سلوكها ما يفيدنا ويجعل حياتنا أسهل وألطف، وربما تخفف ما يُثقل كاهلنا بعيدا عن الأنانية والسمات البشرية المحبطة.