من منا لم يشاهد هذه الكائنات الزرقاء ويستلطفها، تشدهُ ويندمج معهم في مغامراتهم كائناً من كان صغيراً أم كبيراً، ولربما ينجذب لها الكبار أكثر لارتباطها بطفولتهم، فنحن حين نذكر السنافر لا نتكلم فقط عن مجرد رسوم متحركة ومغامرة لطيفة بل نتحدث عن تاريخ مشيد بصورة جمالية لطيفة.
هذه الكائنات الصغيرة التي تعيش في بيت الفطر حتى يبدو مخفياً لا يلفت نظر المارة ويبدو لهم متوارياً مهمشاً وصغيراً، وفيه ينطوي عالمهم الكبير والواسع جداً فسرعان ما نكتشف أن هذا الفطر يمثل بيتاً حقيقياً لهم وقرية جاهزة للمعيشة يوجد بها مسرح ومستشفى وحقل وغيرها من متطلبات الحياة، يصل عدد سكانها إلى 100 سنفور تقريباً، تمتاز السنافر بلونها الأزرق وقبعاتها البيضاء وسنفورها الحكيم الذي يتميز بقبعته الحمراء واسمه (بابا سنفور) وشخصياتهم المتنوعة التي تنبئنا عن أحداث غريبة ومضحكة على وشك الحدوث مما يجعلك مشدوداً حتى النهاية.
كل شخصية تحمل طابعاً مختلفاً تنبئك عن فكرة ما بسبب تركيباتهم الداخلية التي تجسد صفة ما تتميز بها عن غيرها وتحمل معناها في آن فمثلًا: شخصية السنفور الذي يواجه العالم بكسل تجد أن اسمه (كسول)، والذي يمتهن حرفة ما يتميز بها يلقب به مثل: السنفور الملهم الذي ينسج القصيد تجد أن اسمه (شاعر).
وهكذا كل اسم يميز صفات شخصية السنفور، وجميعهم يرتدون قبعة تمتاز بشكلها المخروطي مائل الطرف إلى الأمام، تعكس قالباً متكاملاً مع منازلهم الفطرية على الرغم أن القبعة التي يرتدونها تذكرنا بقبعة الحرية أو كما تسمى تاريخياً بقبعة (الفرنجية) كرمز للحرية حيث استخدمت كأيقونة في الثورة الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر والتي تعطي بعداً فلسفياً لممارسة الحريات متجسدة في شخصياتهم.
كما يقودنا ذلك إلى العمق أكثر، حيث ندرك أن أصل السنافر يعود لزمنٍ سابق ابتدأ على شكل كتاب مصور (كوميك) للكاتب والرسام البلجيكي بيير كوليفورد (بييو) حيث كتبها بالفرنسية كجزء من قصص مصورة بعنوان: السنافر والناي السحري – جون وبيويت- التي عرضت أول مرة إعلامياً في مجلة La Dernière Heure عام 1946 وبعد انتشارها الواسع آنذاك، نشرها في مجلة سبيرو 1952 للقصص المصورة. وفي 1958 كانت أول سلسلة من 60 صفحة للقصص المصورة وكان العرض الأول للمغامرة بعد عام، طورت من قبل استوديوهات بلفيجن ودار نشر دوبوي في بروكسل كرسوم متحركة بين عام 1961و 1967 في بروكسل.
بعد سنوات عدة ترجم إلى الإنجليزية وعرض في المملكة المتحدة 1975 ثم في الولايات المتحدة الأميركية حدث العرض الأول في عام 1981 بعد تولي هانا- باربيرا عملية الإنتاج، ثم بعد أن حققت نجاحاً واسعاً انتشرت بأكثر من 25 لغة حتى الآن.
لم يقتصر التطور الزمني على التغير في القصة واسمها فقط، بل شمل ذلك التغير والتطور البصري فحين كتبت القصة سابقاً جسدت السنافر على أنهم يأهلون قرية مهجورة خالية مليئة بالصخور إلا أن التطور الفني لها قدمها اليوم بهذا الشكل المشبع بصرياً المليء بالحياة فنجد منازلهم وسط غابة مزدهرة، والآن يتنقلون بيننا نحن في منازلنا.
الجدير بالذكر أنه على الرغم من القصة تعطي طابعا وردياً إلا أنها ليست بهذا السلام، والعالم المفعم بالحيوية والأمان يتزعزع بظهور شخصية شريرة تحاربهم لإجراء تجارب ما أو لغاية نعرفها باسم ( شرشبيل) وقطه ومعهم تبدأ المغامرات وتظهر القيم التي تحملها كل شخصية في الحكاية.
لا تزال القصة مستمرة والتاريخ لا يتوقف عند زمن ما، ودائما ما يجد طريقه للظهور بحلة متجددة فكما نعلم مؤخراً عرض مسلسل السنافر الذي انتهى في عام 2003 وسيعرض فيلم قادم في 2025 ، ولا نعلم بعد ما الذي يلي ذلك، أخبرونا أنتم عن رأيكم وهل تترقبون النسخة القادمة أم ما مضى كفى ووفى؟




