من مجموعة “قصائد أخيرة – Derniers poèmes en vers et en prose”
الأرض
أوه! أودّ أن أمتدّ كشجرة.
أوه! أودّ أن أشعر بالملل كنهر اللوار.
لعدّة قرونٍ واللامرئيّ هو نفسه: أعترف بذلك! تقولُ الحصاةُ المطمورة في الطريق: “أشعرُ بنعلِ المزارعة الحبلى: إنّها نفسها لقرونٍ عديدة”. أمّا أنا فأمدّ رقبتي، وهذه الأخيرة تستسلمُ لنعالِ الطبيعة الرطبة.
تقول الحشائش: “أربيعٌ هذا أم خريف؟”. هذا ليس بربيعٍ ولا بخريف، ولا حتّى أيّ فصل… إنّه حساء الطبيعة.
كم هو منبسطٌ هذا اللوار! منبسطٌ كما هي السماء. ولكن كان هناك طفلان واقفان بلا حراك: “أنا سأكون جندياً وسأقتلُ الجميع. – أنا ستتصدّر صوري الصحف كسيّدةٍ جميلة”.
وفي هذا النهار، لم يسمع اللوار والشجرة والكنيسة في هذا الندف القطنيّ سوى هذه الكلمات.
في الصين
إنّ حدائق “بوت شومون” المرسومة على ساترٍ هي الصين نفسها. أربعة أوروبيّون مهدّدون بالإعدام يُقادون بأدبٍ إلى العوارض الخشبيّة كلّ صباح. نادراً ما يحدثُ هذا. وبينما تصبّ لي القهوة، كانت خادمةٌ تنظرُ إليّ أكثر ممّا تنظرُ إلى الفنجان؛ ومع ذلك لا تسقطُ قطرة خارج الفنجان.
يتنافس السفير الفرنسيّ ومؤذّن الصلاة بصمتٍ وتحفّظ. كلّ شيءٍ هنا نظيفٌ وأنيقٌ كما في الفردوس. هذا مجرّد مظهر.
الربيع
أمام هذا الغبار الذهبيّ للشمس في أفق السهل، أمام هذا الغبار الفضّي لأشجار الصفصاف المحيطة بالمستنقعات، وطنين الحشرات المختلفة الذي يقطعه عريرٌ تهيمن عليه رهبة طائرة، وأمام غبار الزهور المتفرّقة، يطوي الغراب جناحيه المخمليّين والحريريّين المثيرين، يتأمّل ويسلِّمُ بحرارةٍ ويبحثُ داخل صدره عن صيحة البجع التي كانت صيحة المسيح المحتضر.
وأنا، تاركاً رأسي يتدحرجُ في الدموع، في دموع الفرح فوق كوعي القزم، كوع عجوزٍ مشلول، أخذتُ أصرخ:
“يا إلهي، أنا مؤمنٌ بوحدة الوجود، وأنت تجلُّ عن الوصف”.
إعادة بناء
كلّ ما يتطلّبه الأمر هو أن يرسم طفلٌ في الخامسة من عمره، ومرتدياً لبلوزته الزرقاء الباهتة، في ألبومٍ ما كي ينفتح بابٌ على الضوء، كي يعاد بناء القلعة وتُغطّى مغرة التلّ بالزهور.
تقمّصٌ وذكريات
لقرونٍ عديدة، أنا الذي عشتُ في كثيرٍ من الأحيان داخل أرواحي الماضية…
من المؤكّد أنّه لم يجرِ إظهار أيّة عاطفةٍ في حضرة الملك لوي. مسار الأشجار الجديرة ببوسّان[1] في سان كلو ربّما أو في مكانٍ آخر… أتذكّر الوجهين المعاديين عندما تصادف أن كسرتُ واحدةً من تلك الخزفيّات الموضوعة بين أشجار بوسّان فوق منحدرات منتزهه، وذلك لأنّه كان يحبّها. مُنِعتُ حتّى من الاعتراف بخطئي أو التعبير عن أسفي. كانت عظمة الملك خطاً مماثلاً لأنّ عدوّيَّ كانا موصومين بالعار وليس أنا. نتحدّث اليوم عن ظلم الطغاة ونتجاهل سريّة شؤونهم. لقرونٍ عديدة، أنا الذي عشتُ في كثيرٍ من الأحيان داخل أرواحي الماضية، أتذكرُ وجهي عدويَّ بين أشجار بوسّان أكثر من وجه الملك العادل.
صغير أو كبير
كانت أروقة القصور هذه في زمن الأساطير أشبه بأروقة المستشفيات التي لا نهاية لها. قبل أن أولد أو أموت، كنتُ أعيش هناك، وكان الناس يتحدّثون بصوتٍ خافت. كانت الأروقة مزدوجة، أروقةٌ للسادة، وأخرى لصغار القوم. كنّا لنخلط فيما بينها لولا زينة معيّنة في الأعياد؛ حينها كانت أروقة السادة تتزيّن قبالة كلّ بابٍ من أبوابها بأوانٍ من الزهور ذات لونٍ موحّدٍ حسبَ العوالم المتخيَّلة للكنيسة: حمراء في أيّام بعض الشهداء، بيضاء للعذارى، وخضراء وذهبيّة أيّام الأحد. أتذكّر أنّني لم أعرف يوماً في أيّ رواقٍ كان عليّ المرور: صغار القوم أم كبارهم. من سيقول لي؟ هذه المجموعات القليلة من الرهبان أو الراهبات أو السادة المتزيّنين، هل أستجوبهم؟ هل يعرفونني؟ وأنا؟ الأرضيات عبارةٌ عن بحيرةٍ حمراء من الجليد. ها هي العليّات! أجل! هذا جيّدٌ لي.
بطاقة
ماكس جاكوب (1876-1944): شاعرٌ وكاتبٌ فرنسي يُعَدُّ واحداً من الشخصيات البارزة في حركة الطليعة الأدبية والفنية في فرنسا أوائل القرن العشرين. ولد في مدينة كيمبير في بروتاني. بعد دراسته في باريس، أصبح شخصية محورية في مشهد الفن والأدب الباريسي، حيث تأثَّر وأثَّر في الكثير من الفنانين والأدباء، وتُعدُّ أعماله وإسهاماته في الأدب والفن جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي الفرنسي