إن سألوك عن كُنيَتي..
فتمهّل رويداً.. ثم أجب
وإن تساوت الألقاب فلا داعي لذكرها..
يكفي إخبارهم عن جدّي حين رضع حبله السريّ ونجا..
تلحّف مشيمته
عند عتبة دارنا القديمة في دير ياسين..
كلّما غسل القيظ الكتابة..
أخرج يده من الرمس
وخطّ بعود شيح ”من كان شاهداً على الحقيقة لا يموت“
:
إن تعبتَ فاسترح..
أنزلني لحين يأتي دوري..
وإن كان هناك كفنٌ ملوّنٌ انتخبني له..
وإن لم يكن سوى الأبيض.. لا بأس!
نحن كما اعتدنا
لا نسرف في الحياة..
فكيف لنا أن نسرف في موت!
وإن تعذّرت الأكفان..
ضعوني في جدولٍ أحمر
احزموه بحبل زينة..
أتعرفه؟
ذاك الذي ابتاعه أبي في نزوحنا قبل الأخير
الجداول الحمراء أصيلة..
تتسع لكل الأيادي الصغار التائهة..
والأقدام المستعجلة التي سبقت أصحابها..
كدّسوها بين ذراعي
ألقيها نجوماً وأقماراً تنير الدرب..
فما حاجتنا نحن العارجين بها!
:
لا يصوّرني أحد..
احرص على ألا يصوّرني أحد..
ملامحنا كاذبة في الصور
لا نحب الملامح الجائعة
ولا العيون الحمراء..
اتركونا دونها..
لنكن بروازاً من أناشيد الروضة..
عن القطط وفوائد الحليب..
وحبّ البلاد
برواز حول سؤال المعلمة:
”ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟“
نحن البراويز المزخرفة
فلنحمل صوراً تستحق الحياة..
:
اجبلْ الحنّاء على عجل قبل أن تنسى..
ازرعْ في كفّي اليمنى ورقة فلفل..
وفي اليسرى صوت عمتي..
كوّم الحناء جبالاً..
سرّح شعري إلى اليمين..
نقّه جيداً من الصرخات العالقة..
من البنانير الملوّنة، وصور كتاب العلوم
وغطّني بقبلة أختي صبيحة العيد..
:
إن سألتك أمي عني..
أخبرها بأني ألعب مع الحقيقة شدّ الحبل..
عند أوّل الزقاق..
مع باقي الرفاق، حيث لا ضوابط للأمهات
نتأخر لما بعد المغيب..
نأكل الحلوى المصبوغة
نطحنها بأسنانٍ لبنية منخورة..
يلازمنا ذئب ليلى في دربنا الطويلة
نتسابق نحو القرعة
حين يتمّ البدر اكتمالاً..
تمضغ العشوائية الانتقاء
وتبصقه في وجوهنا الطازجة..
:
تستتر الحقيقة خلف حائط الغائب
تلملم أحذيتنا على عجل
تصفّها على عتبة التاريخ
وتعدّ للانتظار متّكئاً
تضع يدها على خدها، وتنتظر..
وكلّما مررنا في البال
تغني بحناجر الشاهدين..
لجدتي.. السمكة العجوز في بحر يافا طعاماً للغرباء..
لتين يازور المتبرعم على جسد جدي..
ولأرجوحة عمي بدهانها المتقشّر
لصليلها فوق حجارة الطريق نحو الخليل..
:
أوصيك.. لا تبكِ يا أخي..
الرجال لا يبكون..
وإن انتظروا في طوابير الموت
لا تصدّق نعوتي في نشرات الأخبار
فكل ذلك هراء..
أنا ألعب وحسب..
مع الرفاق..
حيث تساوت الألقاب
كلّنا كما قال جدي..
شاهدون على الحقيقة
ومن كان شاهداً على الحقيقة لا يُكفّن..
من كان شاهداً على الحقيقة لا يموت.