يشهد الأدب العربي اليوم اهتماماً متزايداً على الساحة الثقافية العالمية، حيث نجح العديد من الكتاب العرب في الوصول إلى جمهور دولي عبر أعمال أدبية تعكس قضايا مجتمعاتهم وتطرح رؤى إنسانية شاملة. ورغم هذا الحضور المتنامي، يواجه الأدب العربي عقبات كبيرة تعيق انتشاره الواسع وترسيخ مكانته في المشهد الأدبي العالمي.
الترجمات الضائعة في الطريق إلى العالمية
يتفاوت استقبال الأدب العربي في الخارج باختلاف طبيعة النصوص المترجمة وسياقها الثقافي. في بعض الأحيان، يحظى الأدب العربي بترحيب نقدي واسع، لا سيما عندما يتناول موضوعات ذات صبغة إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، مثل قضايا الحرية، الهوية، والصراعات الاجتماعية والسياسية. على سبيل المثال، تُرجمت أعمال نجيب محفوظ، الطيب صالح، وأحلام مستغانمي إلى لغات عدة، ولاقت استحساناً عالمياً لما تنطوي عليه من عمق أدبي وإنساني.
إلا أن جودة الترجمة تؤدي دوراً محورياً في استقبال النصوص الأدبية العربية في الخارج، فالترجمة الضعيفة قد تفرغ النص من مضمونه الثقافي وتحوّله إلى ما يشبه “سلطة نصوص” غير متناسقة تحدّ من قدرة العمل على التأثير وكأنّ “المعنى في قلب المترجم”. لذا، فإن اختيار الأعمال الأدبية المناسبة للترجمة، وضمان جودتها، يُعدّان عاملين أساسيين في تعزيز الحضور العالمي للأدب العربي.
تحديات تواجه الكتاب العرب للوصول إلى العالم
تُعد اللغة العربية بثرائها البلاغي وتعابيرها الثقافية الخاصة تحدياً كبيراً في عملية الترجمة، ناهيك عن أنّ الأدب العربي لا يزال يُقرأ أحياناً من منظور استشراقي، حيث يتوقع بعض القراء الغربيين نصوصاً تؤكد تصورات نمطية عن المجتمعات العربية، مثل قصص الاضطهاد أو العنف أو النضال السياسي. هذه التوقعات تحدّ من فرص انتشار الأعمال التي تخرج عن هذه الأطر النمطية، فتنشأ فجوة في فهم التنوع الثقافي والأدبي في العالم العربي.
وتفتقر دور النشر في العالم العربي عموماً إلى الموارد اللازمة لتسويق الأدب العربي عالمياً على نحوٍ فعّال، كما أنه لا يحظى غالباً بالدعم الكافي من الجهات الرسمية أو المؤسسات الثقافية التي يمكنها تخصيص ميزانية لتعزيز حضوره في الفعاليات الأدبية العالمية. كما أن هناك نقصاً في النقد الأدبي المتخصص الذي يتناول الأدب العربي بعمق في اللغات العالمية، ما يؤثر في فهمه لدى غير العرب من الجمهور.
مبادرات لدعم الحضور الثقافي العربي في الخارج
تشهد المنطقة حراكاً متزايداً لدعم الثقافة العربية على المستوى العالمي، وذلك عبر مبادرات ومؤسسات بارزة أهمها معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يعدّ من أبرز الفعاليات الثقافية في العالم العربي، حيث يستضيف ناشرين ومترجمين من مختلف الدول ويوفر منصة لترويج الأدب العربي وترجمته إلى لغات متعددة، ما يسهم في زيادة حضوره على الساحة العالمية، ويقال بأنه “العرس السنوي” لعشاق الكتب.
وهناك مشروع “كلمة” للترجمة الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له، ويركز على ترجمة الأدب العالمي إلى العربية، ويعمل في الوقت نفسه على تصدير الأدب العربي إلى الخارج عبر ترجمات دقيقة تساهم في نشر الثقافة العربية على مستوى دولي.
ولا ننسى مهرجان طيران الإمارات للآداب الذي يجمع سنوياً في دبي أدباء ومثقفين من مختلف أنحاء العالم، ما يتيح للأدب العربي فرصة للتفاعل مع جمهور عالمي وتعزيز التبادل الثقافي من خلال حوارات وجلسات نقاشية تفتح آفاقاً جديدة للتواصل الثقافي.
نحو حضور أقوى للأدب العربي عالمياً
على الرغم من التحديات، يمكن تعزيز حضور الأدب العربي على الساحة العالمية من خلال التركيز على برامج ترجمة عالية الجودة تتناول أعمالاً تعكس تنوع وثراء الأدب العربي. بالإضافة إلى إقامة شراكات بين دور النشر العربية والعالمية لزيادة انتشار الأدب المترجم كما تفعل بعض دور النشر الرائدة في السعودية.
في الوقت نفسه، يمكن للأدب الرقمي أن يفتح أفقاً جديداً للوصول إلى جمهور عالمي عبر وسائل جديدة تتجاوز الحواجز التقليدية للنشر وتسمح للكتاب العرب بالترويج لأعمالهم مباشرة لجمهور واسع.
إنّ الأدب العربي نافذة حيوية على ثقافة العالم العربي وتاريخه، وله قدرة فريدة على إثراء الحوار الثقافي العالمي. كذلك المبادرات الخليجية، بتنوعها ورؤيتها الاستراتيجية، تقدم نموذجاً يُحتذى لتعزيز الحضور الثقافي العربي في الساحة الدولية وإسهامه في تشكيل ملامح الحوار الثقافي العالمي.