هناك رأي علمي مثير للاهتمام يقول بأن البشر القدماء لم يعرفوا اللون الأزرق! يستشهد أصحاب هذا الرأي بنصوص قديمة جداً مثل ملحمتي “الإلياذة” و “الأوديسة” المنسوبتين إلى الشاعر الإغريقي هوميروس (القرن التاسع قبل الميلاد) والتي لم يُذكر فيها الأزرق ولا مرة واحدة، بل وصف المؤلف فيهما البحر بـ “النبيذي الغامق”. نفس الشيء مع ملحمة “الفيديا” الهندية التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. لا إشارة فيها من قريب أو بعيد للون الأزرق. هل عانى الشاعران القديمان، الإغريقي والهندي، من عمى اللون الأزرق تحديداً؟ أم أن البشرية لم تعرف هذا اللون حقاً إلا مؤخراً، منذ أربعة آلاف سنة أو أقل؟ وإذا كان هذا الافتراض المذهل صحيحاً، فكيف كانت علاقة أولئك الناس مع البحر والسماء؟ بأي لون رأوهما، وكيف أثر ذلك على كل شيء؛ اللغة والوجدان والفكر والعلاقة مع الطبيعة والآلهة؟ إذا افترضنا أن آلية إبصارنا نحن البشر -سواء عبر العين أو الدماغ- تتطور وتتغير عبر الأجيال، بسبب حافز جيني أو سواه، فهل يعني ذلك أن أحفاد أحفاد أحفادنا سيبصرون ألواناً جديدة كلياً، لا نملك نحن حتى اللفظ اللازم لتسميتها؟
إن الأزرق اليوم لون بالغ الأهمية، إنه لون الحريّة والإلهام والدماء الملكية، لون شعارات IBM وفيسبوك وتويتر، ونادي الهلال ومنتخب الكويت. كيف نجرؤ على تخيل عالم بحره أحمر قانٍ؟ كيف يمكن أن نتصور إيطاليا بدون “الآزوري”؟ ياللهول.. إن كوكبنا بأسره يوصف من الفضاء بـ “الأزرق” الجميل. كيف سيراه سكان القمر بعد ألف عام من الآن؟ وماذا كان هوميروس سيقول عن لوحة بيكاسو الشهيرة (عشاء الأعمى) الغارقة في ظلال الزرقة؟ من الأعمى حقاً؟ والآن نصل الى سؤالنا: هل ستبصر الآلات الذكية الألوان بحسب ما سنبرمجها نحن، وما تعلمته منا من خلال دراستها لفننا وتاريخنا وموضتنا؟ أم أنها ستطور عيوناً آلية مختلفة ترى الطيف الضوئي فيما فوق الاحمر وتحت البنفسجي.. وستستكشف أطوالاً موجية لألوان خارج نطاق قدرة أعيننا البشرية. هل سترسم الآلات الذكية لوحات لا نراها نحن. وتعيش في أبعاد لا ندركها نحن؟ هل ستنشئ عالماً عصياً على أبصارنا؟ هل سينتهي بنا الحال عميان على هذه الأرض، لا نبصر إلا بعض تفاصيلها في حين يختبئ البعض الآخر في أطياف الألوان الجديدة غير المرئية التي ستعرفها الروبوتات الذكية في عوالمها السرية؟