يتخطى دور المرأة، في صناعة الموسيقى العربية، مكانها كموسيقية أو مؤلفة أو مغنية، إلى مكان آخر أكثر عمقاً، وأكثر تماساً مع حياة الناس في الشارع. فهي منذ الخليقة، الملهمةُ الأولى للرجل، فما بالك إذا كان هذا الرجل شاعراً يكتب الكلمة المغنّاة، أو مبدعاً يؤلف الأغنيات. إن نساءً بأعينهن استطعن، بقوة العاطفة، وعمق الأثر الذي تركنه في وجدان بعض الموسيقيين العرب، إلهامهم أجمل كلماتهم وألحانهم، تلك التي خرجت عن كونها خطاباً شخصياً موجّهاً إلى امرأة بعينها، وتحولت مع الزمن إلى أيقونات موسيقية، ترددها شعوب ويتداولها العشاق، ويحفظها التاريخ إرثاً لا يموت، يخلّد وجهاً إنسانياً لصناعة الموسيقى في المنطقة العربية.
وهنا استعراض لأغنيات حفظناها دون أن نعرف حكايتها، والنساء المختبئات وراء كلماتها.. فمن هن؟
8 سنوات من البحث عن ليلى
إن حكاية (أنا وليلى)، إحدى أشهر أغنيات الفنان العراقي كاظم الساهر، تعدو كونها ضرباً من ضروب الخيال. حيث قرأ الساهر كلمات الأغنية في الجريدة في زاوية المواهب، وأمضى ثماني سنوات في البحث عن الكاتب، ليجده أخيراً، الشاعر (حسن المرواني) الذي كتب هذه القصيدة في شبابه أيام الجامعة، حين كان طالباً فقيراً، وقع في حب زميلة له اسمها (ليلى) من محافظة كركوك. وحين صارح ليلى بمشاعره، صدّته، فعاد وأشهر حبه لها بعد عامين لتصدّه مجدداً، لتتم خطبتها بعد ذلك لشاب آخر من عائلة ثرية، يدرس في نفس الكلية.
فجّر هذا الموقف مشاعر المرواني، ليكتب قصيدته التي تعد إحدى أجمل ما كتب في الأغنية العربية في العصر الحديث عَنوَنها باسم (أنا وليلى واشطبوا أسمائكم)، لتتحول بعد إصرار كاظم الساهر على إيجاد كاتبها إلى أغنية شهيرة، ترددها الألسن.
المثير في الأمر أن شعراء عدة زعموا أنهم كتبوا القصيدة قبل أن يتأكد الساهر من أن القصيدة من تأليف حسن المرواني في شبابه.
من هي “عايشة” التي كتب لها الشاب خالد؟!
كتب النجم الجزائري الشاب خالد الكلمات العربية لأغنية (عايشة) عام 1996، برفقة الملحن وكاتب الأغاني جان جاك غولدمان الذي كتب الجزء الفرنسي منها.
كانت الأغنية بمثابة بوابة انتشار للشاب خالد حيث اعتلت قائمة الأغاني الأكثر شعبية في كثير من البلدان العربية والغربية، وحققت مبيعات مرتفعة وضعت الشاب خالد على خارطة الأغنية العالمية.
تمثل الأغنية خطاباً من رجل حزين مغرم بفتاة اسمها (عايشة)، لا تشعر بعواطفه، ولا تتفاعل مع مشاعره، على الرغم من تقديم كل شيء لها. وعلى الرغم من استعداده للتضحية في سبيل هذا الحب بحياته. تجيبه عايشة في نهاية الأغنية أنها لا تنتظر منه كنوزاً أو هدايا، وأن عليه أن يحتفظ بها لنفسه، فهي تستحق ما هو أكثر من ذلك، إذ تبحث عن الاحترام والتقدير والحب النقي، وهذا هو الحب في نظرها.
ليست هناك أية إشارات تاريخية على أن الأغنية كانت موجهة لشخصية بعينها- أو على الأقل ليست معروفة إعلامياً – لكن ملهمتها، أياً كانت، لابد أنها تشعر بالفخر، لتحوّل الأغنية الموجهة إليها إلى أغنية عالمية، ترددها الألسن، حتى تلك التي لا تتحدث بالفرنسية.
بين ضابط عثماني ومهرّب بضائع.. خطفوا مريما
للأغنية الشهيرة في الفولكلور السوري (مريم مريمتي)، التي تتحدث بلسان شاب عاشق عن حبيبته (مريم)، حكاية معروفة عند سكان القرى. يقال إنه في زمن الحكم العثماني لسوريا، كان هناك شاب اسمه (جميل)، يعمل في تهريب البضائع عبر الجبل، زار إحدى القرى ليلتقي (مريم) لأول مرة فافتتن بجمالها ورقّتها. تكررت زيارات جميل على القرية، فشغفه حب بمريم التي بادلته العاطفة بعاطفة مثلها.
وبينما كانت مريم تحمل الماء مع الفتيات في طريقهن إلى القرية، رآها ضابط عثماني، فأعجبته. فجاء في اليوم التالي للسؤال عنها، فأخبره أحد كبار القرية أنها مخطوبة، لأن أحداً منهم لم يرد لها الزواج من الضابط العثماني.
حين علم (جميل) بالأمر، تقدم رسمياً لخطبة (مريم) وخطط لإقامة زفافهما في وقت قريب، وحين علم الضابط بشأن الزفاف، أصدر مذكرة اعتقال بحق جميل من أجل الزج به بالسجن بتهمة تهريب البضائع. وحين باغت الجنود القرية للقبض على جميل في ليلة زفافه من مريم، خطف الجنود مريم، فقفز جميل على حصانه للحاق بالجنود لتصيبه رصاصة قاتلة ويلقى مصرعه، ويخلد الفولكلور الشعبي هذه الحكاية الحزينة بأغنية (مريم مريمتي).
الأغنية التي أعادت نتالي
أحب الفنان والراقص والمسرحي السوري حسام تحسين بيك، فتاةً جورجيّة اسمها (نتالي)، وبادلته نتالي حبه حباً، فعزما على تكليل هذه العلاقة بالزواج فطلبها حسام من أهلها إلا أنهم رفضوا زواجهما لأنهما من ديانتين مختلفتين، هو مسلم وهي مسيحية.
بعد تفكير عميق في المستقبل، قررت نتالي الرجوع عن قرارها الارتباط بحسام تحسين بيك خشية خسارة العائلة والسفر لأهلها. لم يكن من حسام المجروح من تخليها عنه إلا أن يمهلها شهراً لتعود، وأخبرها أنها إذا زادت الشهر يوماً، فلن يستقبلها.
ودّع حسام نتالي في حزن شديد، وعاد ليؤلف أغنية (نتالي) التي يحكي فيها هواجسه ويسائل حظه الذي جعله يحب (غريبة) ويتعلق بها.
ونتيجةً للأغنية، عادت نتالي إلى حسام وتزوجت منه وأنجبت ابنتين وصبياً. لتعيش الأغنية رمزاً للحب الذي يهزم كل المعوقات ويعيد غنائها مطربون ومطربات عدة مثل ميادة بسيليس ومكادي نحاس.