لماذا برنامج مثل “انشر” قريب إلى قلبي؟

قبل 10 سنوات، عندما أسست دار النشر الخاصة بي “دار سيل للنشر”، كانت الرحلة مليئة بالتحديات, كلما حاولت العثور على معلومات ذات صلة بنماذج الأعمال والنشر في سوق الإمارات العربية المتحدة، واجهت إحباطاً كبيراً، رغم توفر الكثير من المعلومات حول الأسواق الأميركية والبريطانية والأوروبية، كانت هناك فجوة واضحة عندما يتعلق الأمر بسوق النشر في الشرق الأوسط، وما زاد من صعوبة ذلك هو تميز كل سوق في المنطقة عن غيره، فما ينجح في لبنان أو مصر أو السعودية لا ينجح بالضرورة في سوق الإمارات.

كنت محظوظة في بداياتي بوجود ناشر متمرس احتواني تحت جناحه، وقدّم لي معرفة مفصلة لا تقدر بثمن حول صناعة النشر المحلية. كان هذا التوجيه بمثابة بناء أساس عميق، وفّر علي الوقوع في كثير من الأخطاء النمطية التي كانت ستكلفني مبالغ طائلة، وساعدني في فهم أن النماذج الغربية للنشر تحتاج إلى تعديلات كبيرة لتعمل في سوقنا، منحتني هذه التجربة تقديراً عميقاً لقيمة المعرفة المحليّة وأهمية التوجيه.

لكن الحصول على فرص كهذه للتوجيه الشخصي نادرة، والاعتماد عليها وحدها لا يكفي لدعم نظام نشر مزدهر. لهذا السبب، فإن مسار “إطلاق” ضمن صندوق الشارقة لاستدامة النشر، المعروف باسم “انشر”، يبعث السعادة في قلبي. إنه يمثل تحقيقاً لحلم طال انتظاره لرؤية المعرفة تنتشر وتتاح لجميع الناشرين الطموحين، عبر التوجيه المنظم والموارد الشاملة، حيث سيزوّد مسار “إطلاق” الناشرين الجدد بالأدوات والمعرفة الصحيحة للنجاح والتفوق في مساعيهم.

“انشر” مبادرة استثنائية أطلقتها الشيخة بدور القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، تنفذها الهيئة بالشراكة مع جمعية الناشرين الإماراتيين ومدينة الشارقة للنشر، وأطلقت مطلع العام الجاري في الذكرى الـ 15 لتأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين، وتهدف إلى تعزيز النمو والاستدامة في صناعة النشر الإماراتية بميزانية قدرها 10 ملايين درهم.

شعار صندوق الشارقة لاستدامة النشر “انشر”

تشمل الرؤية الاستراتيجية لبرنامج “انشر” ثلاث مسارات رئيسة: إطلاق، نموّ، وابتكار، لكنني أخص بالحديث مسار “إطلاق”، العزيز على قلبي لكونه يركز على تمكين الناشرين الناشئين ويدعمهم بالمعارف الأساسية والأدوات اللازمة للتقدم بثبات في صناعة النشر، ولا أبالغ حين أؤكد على أهمية مثل هذا البرنامج، بالنظر إلى رحلتي الشخصية في عالم النشر.

يعمل مسار “إطلاق” باعتباره حاضنة أعمال، إذ يوفر للناشرين الناشئين المعرفة الأساس في مجالات النشر مثل الملكية الفكرية، إدارة الحقوق، العقود، نماذج النشر، دورات التحرير، استراتيجيات التسعير، التسويق، والمشاركة في معارض الكتب، وغيرها من المواضيع المهمة ذات الصلة. ولا يضمن هذا النهج الشامل للناشرين الجدد الاستعداد لدخول السوق فقط، بل وتأهيلهم أيضاً بالخبرات اللازمة للازدهار والمساهمة في مشهد نابض بالحياة لقطاع النشر.

أتذكر في هذا السياق قول أوبرا وينفري: “المستقبل مشرق للغاية، يكاد بريقه يؤلم عيني”. بالفعل، مستقبل النشر في دولة الإمارات العربية المتحدة مشرق، بفضل مبادرات واعدة مثل “انشر” التي تمكّن الناشرين الجدد وتدعم حضورهم، ولا تثري السوق بأصوات وقصص متنوعة وحسب، بل تعزز أيضاً ثقافة القراءة وتنمّي الفكر الذي سيرتقي بمجتمعنا بأكمله.

في الختام، فإن مسار “إطلاق” تحت مظلة “انشر” هو أكثر من مجرد مبادرة؛ إنه خطوة نحو الأمل والتقدّم لصناعة النشر في الإمارات. إنه يرمز إلى الالتزام برعاية المواهب، ومشاركة المعرفة، وخلق مستقبل مستدام حيث يلتقي التراث الثقافي بالابتكار. وبينما نتطلع إلى مستقبل مشرق لصناعة النشر لدينا، فإننا نحتفل بالفرص التي تقدمها برامج مثل “إطلاق” للناشرين الناشئين والتأثير الإيجابي الذي ستحدثه على مجتمعنا.

spot_imgspot_img