كان تأسيس دار نشر قبل نحو عقد من الزمان ضرباً من المجازفة، أعداد القراء تنخفض، سوق الكتاب يتراجع أمام الثورة البصرية التي يقدمها محتوى التواصل الاجتماعي، وتراجع الكتابة أمام الفنون الجديدة ومصادر المعرفة التي راجت بفعل انتشار الإنترنت، لكن هذا لم يمنع مؤسسي “دار ميلاد” من خوض التجربة وإطلاق مشروعهم، الذي كان يضم دار نشر، ومتجراً للكتب، ومقهى لتنظيم الفعاليات الثقافية، انطلاقاً من إيمانهم بالفكرة والفعل، وضرورة المبادرة لتأسيس حراك ثقافي حقيقي، وهو الرهان الذي نجح، وكشف عن بُعد نظر ورؤية استراتيجية، إذ ها هو قطاع النشر في المملكة العربية السعودية يعيش أزهى أوقاته، ويتقدم المشهد العربي إنتاجاً وصناعة وتداولاً.
د. إياد عبدالرحمن، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لدار ميلاد، والذي دخل قطاع النشر من بوابة التقنية، بتأسيسٍ أكاديمي يحمل بصمة جامعة هارفرد العريقة، وبخبرة طويلة في العمل في كبريات شركات التقنية العالمية، إضافة إلى انشغاله بمشروعه الأدبي الشخصي، فهو الشاعر والروائي الذي أصدر أعمالاً عدة، والمترجم الذي حمَل على عاتقه إثراء المكتبة العربية بترجمة السيرة الشهيرة للأديبة الأفروأميركية “مايا أنجلو”، إلى جانب إدارته لمشروع “ميلاد”.
وهنا، في هذا اللقاء مع “جريدة“، يتوسّع في التعريف بهذا المشروع الواعد والمستمر في النمو منذ نحو 10 سنوات، ويتحدث بلا قيود عن المصاعب التي تواجه عمل الناشر العربي، إلى جانب الإفصاح عن الخطط المستقبلية لـ “ميلاد”.
بين 2015 منذ تأسيس ”ميلاد“ وحتى اليوم، ما الذي تبدّل في سوق النشر؟ وأين هو موضع ميلاد في المنافسة بين الناشرين السعوديين من جهة والناشرين العرب من جهة أخرى؟
شهد سوق النشر، في السنوات الأخيرة، تغيرات كبيرة نتيجة للتطور التكنولوجي والانتقال إلى الكتب الإلكترونية والنماذج الجديدة للتوزيع والتسويق. إلى جانب ذلك، فإن هناك تغيرات في أنماط قراءة الأفراد وتفضيلاتهم، ما أثر على كيفية إنتاج وتسويق الكتب. لم تعد الدار تمارس نفس أنماط اختيار الأعمال التي تريد نشرها حسبما كان معهوداً في السابق، إذ بات من المهم تقييم الأعمال وقياس جدوى نشرها استناداً إلى تفضيلات القراء وليس تفضيلات الناشر، ولعل التغير الأكبر هو تحول الدار مؤخراً إلى صناعة المحتوى المرئي وليس المطبوع فقط، وذلك لمواكبة تطلعات القارئ الذي بات يتحول تدريجياً إلى استعراض المواد المرئية عوضاً عن قراءة النص المكتوب. يمكن القول إن دار ميلاد بشكل خاص، والنشر في المملكة العربية السعودية بشكل عام، قد حقق تقدماً ملحوظاً وصار قادراً على مواجهة الناشرين العرب الآخرين بثقة في السوق العربي أو حتى التحالف معهم لتقديم نماذج نشر ناضجة. لقد تبدَّل نمط عمل الدار بشكل كبير بغرض الرغبة في الوصول إلى الأسواق العربية خارج المملكة العربية السعودية، وصار النشر المشترك مع دور نشر أخرى مثل (منشورات المتوسط) و(ميسكيلياني) و(دار رشم)، توجهاً مألوفاً لدى الدار.
“القارئ السعودي تغيّر وهذي هي اهتماماته”
كيف تختارون الكتب التي تصدرونها في ميلاد؟ عرّفنا على المعايير التي تعتمدونها؟
في اختيار الكتب التي نصدرها عن دار ميلاد، نعتمد عدة معايير رئيسية تساعدنا على ضمان تقديم محتوى ثقافي وأدبي متميز ومتنوع يلبي تفضيلات القرّاء العرب، تتضمن الجودة الأدبية أولاً، إذ نحرص دائماً على اختيار الكتب التي تتمتع بجودة أدبية عالية. كما أنها تتضمن التقييم الدقيق للسرد والأسلوب الأدبي والقدرة على تحفيز التفكير والمشاعر لدى القرّاء، إلى جانب ضمان الموضوعية والتنوع بين الأدب الروائي والشعري والمسرحي والكتب الوثائقية، بالإضافة إلى الكتب التي تتناول قضايا اجتماعية وثقافية متنوعة.
بعد توسع قطاع النشر في المملكة، هل تغيرت اهتمامات القارئ السعودي تجاه أنواع محددة من الكتب؟
نعم، تغيرت اهتمامات القرّاء السعوديين تجاه أنواع محددة من الكتب بعد توسع قطاع النشر في المملكة العربية السعودية. هذا التغير يعود جزئياً إلى التنوع الثقافي والاجتماعي في المقام الأول، إذ تزامن توسع النشر وزيادة تنوع الكتب المتاحة مع ميل القرّاء السعوديين إلى اختيار الكتب التي تعكس تنوعهم الثقافي واهتماماتهم الاجتماعية المختلفة. لعلّي أقصد هنا ميل القرّاء نحو الكتب التي تتناول قضايا اجتماعية معاصرة أو تعزز التراث الثقافي المحلي. وسائط القراءة تبدَّلت أيضاً، وبات نشر الكتب الإلكترونية ضرورة وليس خياراً. لقد لاحظنا مؤخراً اهتمام القراء، لاسيما اليافعين منهم، باستخدام الموارد الرقمية بشكل متزايد نحو قراءة ودعم الأعمال الأدبية المحلية والعربية المعاصرة التي تعبر عن تجاربهم وواقعهم الثقافي والاجتماعي. لن أقول إن هنالك عزوفاً عن اقتناء الأعمال الكلاسيكية أو المستوردة من الخارج، ولكنني سأقول إن هنالك اتساعاً ملحوظاً في الاهتمام بالقضايا المعاصرة لا سيما تلك التي تحمل طابعاً محلياً.
“تفضيلات القارئ تقود سوق الكتاب لا الناشر”
لا بدّ أن التحديث الشامل الذي يعيشه القطاع الثقافي خلق تحديات جديدة في الصناعة، ما هي هذه التحديات وكيف تتعاملون معها؟
لعل أبرز هذه التحديات هو التحول إلى الكتب الإلكترونية والمنصات الرقمية، إذ يتطلب أمرٌ كهذا استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، بالإضافة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية المستمرة وضمان تقديم تجربة مستخدم مميزة. القراء اليوم يتوقعون مرونة في وسائل الوصول إلى المحتوى الثقافي والأدبي، ما يفرض ضغوطاً على النشر لتلبية هذه التوقعات وتقديم محتوى متنوع ومتجدد. تطلعات القراء تشكل تحدياً بارزاً أيضاً. إذ يتوقع القراء اليوم مرونة في وسائل الوصول إلى المحتوى الثقافي والأدبي، وهذا يفرض ضغوطاً على النشر لتلبية هذه التوقعات وتقديم محتوى متنوع ومتجدد عبر قنوات متعددة. لم يعد البيع في معارض الكتب ومتاجر الكتب الشهيرة كافياً لمواكبة تطلعات القراء، إذ صار من الضروري لكل دار نشر أن تُنشئ متجرها الرقمي الخاص وكذلك شبكة التوزيع الخاصة بها لضمان وصول الأعمال إلى القراء فور صدورها.

من متابعتك اليومية للمشهد، ما هي التطورات المستقبلية التي تتوقعها للكتاب في المملكة العربية السعودية؟
أعتقد أن هناك توجهاً لنمو الاستثمار في قطاع الثقافة والأدب من خلال الدعم الحكومي والمؤسسات الثقافية، من المتوقع أن يشهد قطاع النشر في السعودية استثمارات متزايدة في إنتاج الكتب وتطوير البنية التحتية الثقافية، وسوف يواصل الأدب السعودي المعاصر نموه، مع ظهور مزيد من الأصوات الأدبية الجديدة والمتنوعة التي تعكس التجارب والهويات المختلفة في المملكة. النظر لحركة التوزيع التي تنمو بشكل متسارع يدفعني للتنبؤ أيضاً بتوسع كبير في الأسواق الخارجية عبر الترجمة والتسويق الدولي، إذ سيسعى الناشرون السعوديون، وبالتعاون مع القطاع الحكومي والمنظمات الثقافية الراعية، إلى توسيع وجودهم في الأسواق العربية والعالمية، مما يعزز الرؤية العالمية للأدب السعودي. أعول أيضاً على الابتكار في النماذج التجارية والتوزيع، إذ بدأت تظهر نماذج جديدة للتوزيع والتسويق تستجيب للتحولات في سلوك القراء وتفضيلاتهم، ما يزيد من قدرة النشر على الوصول إلى جمهور واسع. بشكل عام، أستطيع القول إن مستقبل الكتاب في السعودية واعدٌ بالفرص، لاسيما مع استمرار النمو والتطور في القطاع الثقافي والأدبي، وتعزيز دور السعودية مركزاً ثقافياً وأدبياً بارزاً عربياً وعالمياً.
“لهذه الأسباب غيرنا كيفية تواجدنا في مواقع التواصل الاجتماعي”
اختياراتكم في الترجمة انتقائية جداً، وتعمدون – مثلاً – إلى الشعر المترجم ضمن استراتيجيتكم وهو ما يهرب منه أكثر الناشرين، كيف تنظرون إلى الأمر؟
حين تأسست الدار، وضعنا استراتيجية خاصة للنشر الثقافي والأدبي، وحاولنا الموازنة بين الجانب التجاري والجانب الإبداعي، مع ضرورة الإشارة إلى أن الجانب الإبداعي يحمل اهتماماً أكبر لدى الدار في كافة القرارات التي تتخذها، خصوصاً تلك التي تتعلق بانتخاب الكتب ونشرها. نعمل في ميلاد على تقديم أعمال تعبر عن التنوع الثقافي، كالشعر مثلاً، أو الكتب التي تصدّر صوراً ناضجة للثقافات واللغات. نحن نريد من مسيرتنا المهنية أن تساهم في فتح نوافذ للقراء على عوالم وتجارب جديدة. نؤمن بأن الكتب تلعب دوراً هاماً في نقل المعرفة والثقافة، لذا نفضل الكتب التي تحمل قيمة ثقافية وتعليمية محددة تساهم في إثراء المجتمع الثقافي. هذا التفرد، حتى وإن لم يحمل جدوى اقتصادية عالية، يمثل نموذجاً خاصاً بالابتكار بالنسبة لنا، إذ إنه يدفعنا نحو تبني الأعمال التي تتفرّد في مواضيعها أو الأساليب الأدبية التي تتبعها، ما يؤدي إلى تقديم تجربة قراءة مميزة ومثيرة للاهتمام. ولعل الأمر الأهم هو إدراكنا للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، إذ نرى بأن هذه الانتقائية نابعة من دورنا الثقافي والاجتماعي باعتبارنا ناشرين، والذي يحتّم تقديم محتوى يعزز الفكر والتفكير النقدي ويسهم في تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية، وليس المحتوى الذي يدرّ المال فقط.
هل تواجهون صعوبات في العثور على مترجم مؤهل لترجمة كتاب إلى العربية؟ وكيف تتجاوزون ذلك؟
نعم، تواجهنا أحياناً صعوبات في العثور على مترجمين مؤهلين لترجمة كتب إلى العربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجالات متخصصة أو بكتب تتطلب مهارات خاصة في الترجمة الأدبية أو الفنية، كالكتب التي تتمحور حول حقب زمنية معينة أو ثقافات إثنية معينة. نعمل على تخطي هذا التحدي عبر الاعتماد على شبكة واسعة من المترجمين المحترفين، كما أننا نجري بحثاً مستمراً للعثور على المترجمين المناسبين لكل مشروع. هذا يتضمن البحث عبر الإنترنت، التواصل مع وكالات الترجمة، والاعتماد على الموارد المهنية المتاحة، وفي كثير الأحيان، يساعدنا التعاون المباشر مع الكتّاب والمؤلفين على تحديد مترجمين مؤهلين، حيث يكون للمؤلف دورٌ في اختيار المترجم الذي يمكن أن ينقل بدقة رؤيته الأدبية أو المفاهيم التقنية التي يريد التعبير عنها. إضافة إلى ذلك، تفرض دار ميلاد معايير عمل صارمة لضمان جودة الترجمة، ونراجع باستمرار النصوص المترجمة للتأكد من مطابقتها لرؤيتنا ومعاييرنا.

الكاتب “الإنفلونسر” صار أمراً واقعاً، هل سنراه قريباً في ميلاد أم أنكم مستمرون في تحفظكم؟
نتابع باهتمام، في ميلاد، تطورات عالم النشر والثقافة، بما في ذلك ظهور الكتّاب المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، المعروفين بـ “الإنفلونسرز”. على الرغم من أن هذه الظاهرة تجذب اهتماماً كبيراً وتؤثر في سلوك القراء واختياراتهم، إلا أننا في ميلاد نركز على الأدب والثقافة بشكل أساس، لكن هذا لا يمنعنا من إبقاء الباب موارباً لاستكشاف الفرص التي تقدمها الوسائل الجديدة للتواصل والتأثير، وفي الوقت ذاته، نحافظ على التزامنا الراسخ بالأدب والثقافة محوراً أساساً لرؤيتنا وأهدافنا في مجال النشر. إن كان هنالك إنفلونسر يؤمن بأهمية الأدب والكتب مصدراً أساساً للتأثير الثقافي والفكري، ويقدّم محتوى ناضجاً يثري القراء، فلم لا؟
“نركز على الفعل الثقافي .. ولا ننشر كتباً لمجرد النشر”
لنقل إن حضوركم في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح محدوداً مؤخراً، فكيف تروّجون لإصداراتكم؟
نولي في ميلاد اهتماماً كبيراً للأدب والكتب، وقد يكون هنالك تخفيف لحضورنا في منصة تواصل اجتماعي ما، لكن هذا الحضور يتنامى في منصات أخرى. نحن نعمل بجدية على الترويج لإصداراتنا والوصول إلى القرّاء عبر القنوات الفعالة، وهذا يعني تركيزنا على الترويج لأعمالنا في منصة “تيك توك” و”سنابشات” مثلاً، عوضاً عن منصّتي “إنستغرام” و”إكس”. نستخدم استراتيجيات التسويق الرقمي والإعلانات المدفوعة عبر الإنترنت للترويج للكتب الجديدة والأنشطة الثقافية التي ننظمها، لكننا نراعي في أنشطتنا اختيار المنصات التي تسهم فعلاً في زيادة الوعي بما نقدمه. كذلك يسهم التعاون مع الشركاء الإعلاميين والثقافيين في الترويج لإصداراتنا، سواء عبر المقابلات الصحفية، أو المشاركة في فعاليات ثقافية وأدبية. كما نحرص في ميلاد على المشاركة في معارض الكتب والفعاليات الثقافية المحلية والدولية، حيث نعرض ونروّج لإصداراتنا ونتفاعل مع القرّاء المحتملين والمهتمين بالثقافة والأدب.
قلتم مرة إن ميلاد تتجاهل الجانب التجاري في سوق الكتاب، هل لا زلتم متمسكين بموقفكم برغم الضغوطات المالية والضعف الشرائي اللذين يتعرض لهما قطاع النشر؟
نعم، في ميلاد نولي اهتماماً كبيراً للأدب والثقافة، ونركز على نشر الكتب التي تتميز بالجودة الأدبية والمحتوى الثقافي المتميز، لكن هذا لا يعني مطلقاً أننا نغض النظر عن الجوانب التجارية. لدينا منهجية تتحيز كثيراً إلى مراعاة جودة الأعمال التي نقدمها، لكن هذه المنهجية لا تعني تجاهل الضغوطات المالية أو الظروف الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر في قطاع النشر، بما في ذلك ضعف القوة الشرائية الذي يمكن أن يؤثر على سوق الكتاب، نحن في نهاية المطاف مؤسسة تجارية ربحية، لها شركاء ومستثمرون ينبغي أن نستوفي حقوقهم، لكن يسعدني القول بأننا قادرون على مواكبة تطلعاتهم دون الإضرار باستمرارية العمل، ودون التضحية برسالة الدار الأساسية والتي تعتبر الكتاب مرآة للمجتمع وأداة لبناء الوعي الثقافي والفكري.
كتّابكم من خارج السعودية قلّة، هل ثمة خطة لتوسعة قاعدة مؤلفيكم وبالتالي قرائكم خارج المملكة؟
ينصب تركيز الدار في الفترة الأخيرة على ترجمة الأعمال واستيراد الأوعية الثقافية من الخارج إلى الداخل، وهذا يعني أن مؤلفينا العرب قليلون، سواء كانوا من داخل المملكة العربية السعودية أو من خارجها، لكننا بدأنا في العمل أخيراً على تطوير استراتيجيتنا لفتح أبواب التعاون مع الكتّاب من جميع أنحاء العالم، لا سيما أولئك الذي يمكنهم إضافة أبعاد جديدة لمحتوانا الثقافي والأدبي. لن نتوقف يوماً عن دعم الأصوات الفريدة والمبتكرة، سواءً كان أصحابها من السعودية أو من خارجها.
الدور الحكومي في دعم صناعة الكتاب في السعودية لافت، والمشهد الثقافي السعودي يعيش أزهى حالاته، ما الذي ينتظره الناشر السعودي بعد ذلك؟
لقد نالت دار ميلاد نصيباً كبيراً من برامج دعم الجهات الحكومية داخل المملكة، لاسيما تلك التي تشرف عليها وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، فجاءت هذه البرامج لتعزيز البنية التحتية الثقافية، وتمكين دور النشر الصغيرة والمتوسطة من الوصول إلى الكتب والمعرفة لدى الجمهور. دفعتنا مبادرة “ترجِم”، على سبيل المثال لا الحصر، نحو الاستثمار في الترجمة والنشر العالمي، وساعدنا دعم الهيئة على ترجمة الكتب السعودية إلى لغات أخرى، ما أسهم في تعزيز التواصل الثقافي الدولي وزيادة التأثير الثقافي للأدب السعودي، وما زلنا نتطلع نحو المشاركة الفعّالة في المعارض والفعاليات الدولية، إذ نتوقع أن يساعد الدعم الحكومي في تعزيز حضور الناشرين السعوديين في المعارض الدولية للكتب والفعاليات الثقافية.
لدى ميلاد قائمة تربو على 100 إصدار، ما هو أكثر إصداراتكم شهرة وتأثيراً، ولم تظن ذلك؟
لعلي قد أبدو متحيزاً حين أقول إن ترجمة السيرة الذاتية للشاعرة الأمريكية (مايا آنجلو) والتي حظيت بتقديم الإعلامية (أوبرا وينفري)؛ ذلك لأنني شاركتُ في ترجمتها، لكنها أبرز أعمالنا وأكثرها نجاحاً على المستوى التجاري والثقافي أيضاً، إذ أسهمت هذه الترجمة والتي جاءت في سبعة أجزاء في تقديم الدار لاعباً أساسياً وجاداً في المشهد الثقافي، كما أنها دفعتنا نحو تطوير استراتيجية نشر فريدة تتمركز حول استيراد الأعمال العالمية بشكل رئيس، وتقديمها للقارئ العربي بصفتها أعمالاً فريدة ومتفرّدة.
هناك موجة متزايدة لترجمة الكتب غير الأدبية إلى اللغة العربية، لماذا لا تشاركون في الموجة؟
لا أرى إشكالية في نشر الكتب غير الأدبية مطلقاً، على العكس تماماً، إذ أنها، ومن وجهة نظري، تساعد في تنويع المحتوى الثقافي، لكنني أعتقد أنها تشترط الاختصاص. المشاركة في هذه الموجة تقتضي بالضرورة أن تبني الدار إمكانات جديدة قد لا تتوافق مع الاستراتيجية العامة للنشر لدينا. نحن لا ننشر كتباً لأننا نريد النشر فقط، بل نركز بشكل رئيس على الثقافة كمحور أساسي لرؤيتنا وأهدافنا في النشر، ونسعى إلى الحفاظ على توازن بين الأدب والمعرفة ، ولعلنا في الحقيقة نفضل تخصيص جهودنا ومواردنا لنشر الكتب التي تبرز بالأدب والفن والإبداع، بصفتنا أهلاً للخبرة في هذا الجنس من الثقافة على وجه التحديد.
هذا سؤال متروك لإياد الناشر، سيبتكر سؤالاً لم نسأله، ويخبرنا بجواب لم نتوقع الحصول عليه.
كيف يمكن للناشرين في شتى المجالات، وليس الأدب فقط، أن يستخدموا التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز لتعزيز تجربة القراءة وجذب جمهور جديد؟
يمكن للناشرين استخدام التكنولوجيا الحديثة لإنشاء تجارب قراءة مثيرة، مثل استخدام الواقع الافتراضي لنقل القرّاء إلى عوالم خيالية تفاعلية حيث يمكنهم التفاعل مع شخصيات الكتب والأحداث بطرق جديدة. كما يمكن استخدام الواقع المعزز لتحسين الفهم والتفاعل مع المحتوى غير الأدبي مثل الكتب التعليمية والعلمية، عبر إضافة رسوم متحركة توضح المفاهيم المعقدة بطريقة بصرية مباشرة وتفاعلية، ما يسهم في تعميق الفهم وجذب المهتمين بالمعرفة والتعلم. يمكن أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد النصوص الإبداعية، رغم تشكيكي في جودة هذه المخرجات، بالإضافة إلى تحليل تعليقات القراء على منصات التواصل الاجتماعي والمراجعات على المواقع الإلكترونية لفهم ردود الفعل والمشاعر تجاه كتب معينة، مما يمكّن الناشرين من تكييف استراتيجياتهم بشكل أفضل وتحسين اختياراتهم المتعلقة بالنشر.
د. إياد عبدالرحمن
روائي ومترجم وشاعر من المملكة العربية السعودية، حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراة في علوم الحاسب وتقنيات التعليم من جامعة هارفرد بالإضافة إلى البكالوريوس من جامعة يوتا بالولايات المتحدة في مجال هندسة الحاسب. يكرس معظم وقته في الترجمة وإدارة دار ميلاد، إلى جانب كونه عضو مجلس إدارة جمعية النشر السعودية.
صدرتْ له ثلاث روايات وهي (الخليفة) و (ريب المنون) و(إهانة غير ضرورية)، وثلاث مجموعات شعرية بعنوان (صلاة من أجل غيمة لن تمطر)، (التغريد خارج السرب)، و(انعتاق) إضافة إلى عددٍ من الترجمات عن اللغة الإنجليزية، أبرزها السيرة الذاتية للشاعرة الأميركية (مايا آنجلو) والتي جاءت في عدة أجزاء: (أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس) و(اجتمعوا معاً على اسمي) و(الغناء والتأرجح والاحتفال كما لو أنها عشية عيد الميلاد).
دار ميلاد
مؤسسة ثقافية ربحية تُعنى باكتشاف ورعاية ونشر وتوزيع الأعمال الأدبية الجادّة بالإضافة إلى إثراء المحتوى الثقافي العربي. تأسست عام 2015م بغرض إثراء المشهد الثقافي المحلي والعالمي عبر نشر إصدارات أدبية ذات جودة وقيمة عالية في مختلف الأنواع. كما تعمل على تنظيم الفعاليات الثقافية وورش الكتابة وتنظيم الحقائب التدريبية التي تهدف إلى صقل مهارات الكتابة لدى المؤلفين بمختلف مستوياتهم الإبداعية.




